فصل: الباب السابع: في صلاة التطوع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الباب السابع: في صلاة التطوع:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في الرواتب:

وهي المفعولة تبعا للفرائض، كركعتي الفجر، وركعة الوتر.
وعد القاضي أبو محمد، من ذلك الركوع قبل العصر، وبعد المغرب.
وقال في الكتاب: قلت: هل كان مالك يؤقت قبل الظهر من النافلة ركعات معلومات أو بعد الظهر، أو قبل العصر، أو بعد المغرب، فيما بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء؟ قال: لا، وإنما يؤقت في هذا أهل العراق.
ثم الوتر ركعة واحدة، وهي مسنونة، ويدخل وقتها بالفراغ من صلاة العشاء الآخرة في وقتها المشروع، وينتهي وقت الاختيار لها بطلوع الفجر، ويمتد وقتها الضروري إلى أن تصلي الصبح على المشهور من المذهب.
وقال أبو مصعب: ينتهي وقتها بطلوع الفجر، ولا وقت ضرورة لها.
ولتكن مسبوقة بشفع منفصل عنها بسلام، وذلك شرط في تام الفضيلة. وقيل: بل شرط في الصحة.
وسبب الخلاف: كونه وترا للفرض أو للنفل.
وثمرته: جواز الاقتصار على الركعة الواحدة للمعذور، كالمسافر والمريض ومنعه.
وإذا قلنا بتقديم شفع بلا بد، فهل يلزم اتصاله بالوتر أو يجوز، وإن فرق بينهما بالزمن الطويل؟ في المذهب قولان.
والمستحب أن يكون الوتر آخر تهجده بالليل، ويستحب أن يقرأ فيه: {قل هو الله أحد} والمعوذتين، وقيل: لا يختص بقراءة معينة.
وهل يلزم أن تؤتي بشفع يختص بها، أو ينوب منابه كل نافلة؟ في المذهب قولاه.
وإذا فرعنا على أنه يأتي بشفع يختص بها، فهل يستحب أن يقرأ في الأولى.
بـ {سبح}، وفي الثانية بـ {قل يأيها الكافرون}، أو لا تتعين فيها قراءة خاصة؟ في ذلك روايتان.
وقال ابن نافع: يقنت في الوتر في النصف الآخر من شهر رمضان، والمشهور: أنه لا يقنت فيه، وهو قول ابن القاسم.

.الفصل الثاني: في غير الرواتب وما شرعت الجماعة فيها:

كالعيدين، وكسوف الشمس، والاستسقاء، فهي أفضل مما تقدم سوى الوتر، وأفضل أيضا من صلاة الضحى، وركعتي التحية، وقيام رمضان؛ إذ هن سنن، وما تقدم فضائل، حاشا ركعة الوتر، وركعتي الفجر، على خلاف في ركعتي الفجر خاصة، وكذلك ما بعدها.
وآكد هذه السنن العيدان، ثم الكسوف.
ولا شك في تقدم الوتر على ما ذكر معه لكونه سنة، ويليه في ذلك ركعتا الفجر للخلاف. في أنهما سنة أو فضيلة، وسائرها فضيلة أو نافلة، وآكدها الركعتان بعد المغرب، واختلف في ركعتي الإحرام، هل هما سنة أو نافلة؟ وكذلك اختلف في ركعتي الطواف، هل هما سنة، أو حكمهما حكم الطواف؟
وتستحب الجماعة في التراويح تأسيا بعمر رضي الله عنه، ولاستمرار العمل عليه.
ولو انفرد الواحد في بيته لطلب السلامة من قصد إظهار النافلة، لكان أفضل له على المشهور، ما لم يؤد ذلك إلى تعطيل المساجد منها.
والذي استمر عليه العمل من العدد فيها تسع وثلاثون يوتر منها بثلاث، وإن فعل دون هذا العدد فلا حرج.
ثم التطوعات لا حصر لها، ولا تقضي المرتبة منها ولا غيرها، وما ذكر في ركعتي الفجر من لفظ القضاء قد تأوله الشيخ أبو بكر كما يأتي.
واختلف في ركعتي الفجر في ثلاثة فروع:
الأول: من دخل المسجد بعد طلوع الفجر وقبل صلاته، فلا يصلي سوى ركعتي الفجر خاصة. وانفرد الشيخ أبو الحسن، فقال: يحيي المسجد، ثم يركع الفجر. وأشار الشيخ أبو عمران إلى تضعيفه.
الفرع الثاني:
لو ركع في بيته ثم جاء المسجد، فهل يركع أيضا؟ روايتان مشهورتان.
ثم إذا قلنا: يركع، فهل بنية النافلة أو بينة إعادة ركعتي الفجر؟ قولان للمتأخرين.
الفرع الثالث:
من ضاق عليه الوقت، فصلى الصبح وترك ركعتي الفجر، فإنه يصليهما بعد طلوع الشمس إن شاء. وقيل: لا يصليهما حينئذ. ثم إذا قلنا: يصليهما، فهل ما يفعله قضاء، أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتي الفجر؟ قال الشيخ أبو بكر: وهذا الجاري على أصل المذهب، وذكر القضاء تجوز.

.الباب الثامن: في صلاة الجماعة:

وفيه أربعة فصول:

.الفصل الأول: في حكمها:

وهي سنة مؤكدة، وليست بواجبة إلا في الجمعة. وحكى الإمام أبو عبد الله والقاضيان أبو الوليد وأبو بكر عن بعض أهل المذهب: أنها فرض على الكفاية.
والمشهور أنه لا فضل لجماعة على جماعة.
وقال ابن حبيب: بل تفضل الجماعة الجماعة بالكثرة وفضيلة الإمام.
ولا تحصل فضيلة بإدراك أقل من ركعة مع الإمام، ولا يحتبس الإمام للداخل انتظار إدراكه الركعة.
ومن صلى منفردا فأدرك جماعة اثنين فصاعدا، استحبت له إعادتها فيها، لا يعيد مع الواحد. قال الشيخ أبو عمران: إلا أن يكون هذا الواحد إمام، فهو كالجماعة.
ولا تعاد المغرب ولا العشاء بعد الوتر على المشهور.
وقال المغيرة: تعاد الصلوات كلها.
فرع:
لو شرع في إعادة المغرب، ثم ذكر قبل أن يعقد الركعة الأولى منها، خرج، فإن عقدها أضاف إليها أخرى وسلم، فإن أتمها، فليأت برابعة بالقرب، فإن طال، فلا شيء عليه. الأرض القاضي أبو بكر: وقال بعض علمائنا: يصلي المغرب ثالثة بعد أن يسلم مع الإمام، قال: والأول أصح.
ثم حيث يؤمر بالإعادة، فهل يعيد بنية الفرض، أو بينة النفل، أو بنية إكمال الفضيلة، أو يفوض الأمر إلى الله تعالى؟ في ذلك أربعة أقوال، تتخرج عليها ثلاثة فروع.
الفرع الأول: لو صلى فذا ثم أعاد في جماعة، فذكر بعد ذلك أن الأولى كانت على غير طهارة، فقال ابن القاسم: تجزيه الثانية، وقال ابن الماجشون: لا تجزيه، لأنه صلى الثانية على جهة السنة، لا على جهة أداء الفريضة.
وقال أشهب: إن كان حين دخوله في الثانية ذاكرا للأولى، فلا تجزيه هذه، وإن لم يكن ذاكرا لها أجزأته.
الفرع الثاني:
إذا صلى مع الإمام لفضل الجماعة معتقدا أنه صلى في بيته، ثم ذكر أنه لم يصل، فقال ابن القاسم: تجزيه، وقال أشهب: لا تجزيه.
الفرع الثالث:
إذا كانت الأولى على طهارة، وأحدث في أثناء الثانية، فروى المصريون عن مالك: ليس عليه أن يعيد الثانية.
وقال أشهب منهم: ولو قصد بصلاته مع الإمام رفض الأولى، لم تلزمه الإعادة. وروي: أنه يعيدها، وبه قال ابن كنانة وسحنون، إلا أنهما اختلفا في التعليل، فقال ابن كنانة: لأنه لا يدري أيتهما صلاته، وقال سحنون: لأنها وجبت بدخوله فيها.
وتظهر فائدة اختلافهما في التعليل إذا كان الحدث عن غلبة، وقال عبد الملك: إن أحدث بعد عقد ركعة أعاد الثانية، لأنه أدرك صلاة الإمام، وإذا كان قبل أن يعقد ركعة، لم تلزمه إعادتها، وحكاه أيضا ابن سحنون عن أبيه.
وروي في كتاب ابن سحنون: إن كان أراد بصلاته مع الإمام أن يجعلها فرضه والتي صلى وحده نافلة، أو أراد أن يكون الأمر إلى الله تعالى في صلاتيه، فليعد الثانية.
ومن صلى في جماعة، لم يعد في جماعة أخرى، إلا أن يعيد في أحد المساجد الثلاثة ما صلاة في غيرها.
ويجري مجرى الجمع الإمام يصلي في مسجده وحده لتخلف الجماعة عنه، فلا يعيد في جماعة أخرى، ولا تعاد الجماعة في ذلك المسجد؛ إذ حكم صلاته حكم صلاة الجماعة. ولا تعاد الجماعة في مسجد واحد مرتين.
ولا تترك الجماعة إلا لعذر عام كالمطر والريح العاصفة بالليل، أو خاص مثل أن يكون مريضا، أو ممرضا أو خائفا من السلطان، أو من الغريم وهو معسر، أو كان عيه قصاص مرجو العفو، أو كان عاريا.

.الفصل الثاني: في صفات الأئمة.

قال الإمام أبو عبد الله: الشروط المعتبرة في الإمامة: البلوغ والعقل والإسلام والذكورية والحرية والعدالة، والعلم بما لا تصح الصلاة إلا به قراءة وفقها، وسلامة الأعضاء التي يكنون فقدها قادحا في الصلاة.
وقد جمع فيما عدد بين شروط الصحة وشروط كمال الفضيلة، وها نحن نشرع في تمييزها بالتفصيل، فنقول:
أما الصبي المميز، فلا تجوز إمامته في الفريضة ولا تصح، وقال أبو مصعب: تصح وإن لم يجز. وأما في النافلة فتصح وإن لم تجز، وق يل: تصح وتجوز.
وأما المجنون، وفي معناه غير المميز، فلا خفاء بعدم الصحة فيهما.
وأما المخالف في مسائل الاعتقاد هن فإن كان في الأصولية القطعية، وكان كفرا صريحا لا مراء فيه كاليهودية والنصرانية وشبه ذلك، فلا شك في عدم الإجزاء، وإن كان مما يشكل كونه كفرا كالاعتزال وغيره من مذاهب أهل الأهواء فقيل: لا تجزي الصلاة خلفه. وقد قال مالك:
من صلى الجمعة وراء القدري أعادها ظهرا.
وقال أصبغ وابن حبيب ببطلان الصلاة خلف البدعي وأنها تعاد أبدا، إلا أن ابن حبيب اشترط أن لا يكون واليا، قال: فإن كان وليان فصلاة وراءه جائزة، وإن أعاد في الوقت فحسن.
وقال ابن القاسم: يعيد في الوقت.
وقال سحنون: لا يعيد في وقت ولا غيره، وحكاه عن جماعة من أصحاب مالك.
ونزل الإمام أبو عبد الله هذا الاختلاف على الخلاف في التفكير بالمآل، وذكر عن مالك في ذلك قولين، وعن القاضي أبي بكر بن الطيب أيضا قولين، ثم قال عبد: والمسألة مشكلة، وقد اضطرب فيها قول مالك وهو إمام الفقهاء، كما اضطرب فيها قول القاضي أبي بكر بن الطيب وهو إمام المتكلمين.
فأما إن كانت المخالفة في المسائل الفروعية الاجتهادية، فلا تمنع من الاقتداء به.
وخرج أبو الحسن اللخمي خلاف في اقتداء أحد المجتهدين بالآخر من قول أشهب،
في قوم صلوا في بيت مظلم، فأصاب الإمام القبلة وأخطؤوها أنهم يعيدون، وإن أصابوها وأخطأها الإمام أعادوها أجمعون. وذكر قول أشهب أيضا فيمن صلى وراء من لا يتوضأ من مس الذكر: أنه لا يعد، ومن صلى رواء من لا يتوضأ من القبلة أنه يعيد أبدا، لأن القبلة من اللمس.
وقال سحنون: بل يعيد فيهما بحدثان ذلك فإن طال لم يعد.
قال الإمام: فخرج الشيخ أبو الحسن، يعني الخمي، على هذا صلاة المالكي خلف الشافعي، خلف المالكي، ورأى أنه يختلف فيها، ثم قال الإمام: وإجراء الخلاف في ذلك على الإطلاق عندي لا يصح. قال: وقد حكى حذاق أهل الأصول إجماع الأمة على إجزاء صلاة الأئمة المختلفين في الفقه بعضهم وراء بعض، ثم اعتذر عما حكى عن أشهب من الإعادة في القبلة أبدا، بأنه رأى أن المسألة من الوضوح بحيث تكاد تبلغ مسائل القطع التي يقطع فيها بخطأ المخالف، قال: وهذا معنى قوله: إن القبلة من اللماس لأن القرآن جاء به، فيكاد إيجاب الوضوء فيه يلحق بالمقطوع به. قال: وأدل دليل على صحة هذا التأويل تفرقته بين مس الذكر والقبلة، ثم قال: وعلى هذا يجري اختلاف لأصحابنا في نقض بعض الأحكام في مسائل اختلف فيها، وإمضاء الأحكام في غيرها، وإن كان قد اختلف فيها أيضا.
وأما المرأة، فلا تصح إمامتها للرجال ولا للنساء. وروي ابن أيمن جواز إمامتها للنساء.
وأما العبد فتجوز إمامته في غير الجمعة إذا لم يكن إماما راتبا، وروى علي في المجموعة: لا يؤمن الأحرار، إلا أن يكون يقرأ وهم لا يقرؤون فيؤمهم في موضع الحاجة أيضا وكره مالك رضي الله عنه وابن القاسم أن يؤم في الفرائض إمامة راتبة.
وأجاز ابن القاسم أن يؤم في التراويح إمامة راتبة.
والسنن عند ابن القاسم كالعيدين والاستسقاء والكسوف كالفرائض، يكره أن يكون فيها إماما راتبا.
وأجاز ابن الماجشون أن يكون إماما راتبا في الفرائض، قال الإمام: ويتخرج على قوله جواز إمامته في السنن.
وأما إمامته في الجمعة فمنعها ابن القاسم، وأمر بإعادة صلاته وصلاتهم. وأجازها أشهب.
فنظر ابن القاسم إلى كونها غير متعينة عليه، فإذا أم فيها صار كمتنفل أم مفترضا، ونظر أشهب إلى أنه بتخيره لها دون الظهر، والتزامه لها، وشروعه فيها، صارت كالفرض المتعين، وفارقت النفل بأنه يسوغ له تركه إلى غير بدل، ولا يسوغ له تركها إلا إلى بدل، وهو الظهر.
وأما الفاسق بجوارحه لا من جهة الاعتقاد والتأويل والاجتهاد، كالزاني وشارب الخمر، فاختلف المذهب فيه:
فقال ابن حبيب: من صلى وراء من شرب الخمر فإنه يعيد أبدا، إلا أن يكون الوالي الذي تؤدي إليه الطاعة، فلا إعادة على من صلى خلفه، إلا أن يكون حينئذ سكران. قاله من قلبت من أصحاب مالك. وكذلك ذكر الشيخ أبو بكر أن الصلاة خلف الفاسق بغير تأويل تعاد أبدا، واختاره.
وقال في الموازية فيمن صلى وفي جوفه الخمر، وليس بسكران: إن من صلى خلفه يعيد أبدا، وكذلك روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في العتبية. وقيل في إمامة الفاسق بجوارحه: تستحب الإعادة في الوقت.
وأما الأمي الذي لا يحسن القراءة فلا تصح إمامته، مع حضور القارئ له ولا لغيره.
وكذلك من كان لا يقدر على النطق بالحروف من مخارجها على الصحة، بسبب الجهل، وفي وجوب اقتدائه بمن يحسنها إذا قدر عليه خلاف.
وأما الألكن، فتجوز إمامته للسالم من اللكنة.
وقال الشيخ أبو القاسم: إذا كان يقيم حروف فاتحة الكتاب، قال الإمام أبو عبد الله: وقد روي عن القاضي إسماعيل إجازة إمامة الألكن إذا كانت لكنته في غير محل قراءته، قال: وهذا الاشتراط لا معنى له، لأن التقصير في غير القراءة لا يؤثر في القراءة مع بعد حال اختلاف النطق بالحروف في القرآن وفي غير القرآن.
وأما اللحان، فاختلف فيه المتأخرون، فقال الشيخ أبو الحسن: لا تصح الصلاة خلفه، ولو أن لحنه في غير أم القرآن، وقال أبو بكر اللباد: إن كان لحنه في أم القرآن لم تصح الصلاة خلفه، ووافقه الشيخ أبو محمد، ورأى أن الإمام لا تصح صلاه أيضا. وقيل: إن كان لحنه لا يغير معنى، صحت صلاته ما لم يعتمد ذلك، فيفسق بتعمده، وإن كان لحنه يغير المعنى: كقراءته إياك نعبد بكسر الكاف، أو أنعمت عليهم بضم التاء، لم تصح الصلاة.
وإلى هذا ذهب القاضيان أبو الحسن وأبو محمد، وحكى أبو الحسن اللخمي قولا رابعا، وهو الصحة على الإطلاق. قال الإمام: ولم أقف عليه، ثم قال: وسبب الخلاف في هذه المسألة اعتبار اللحن، هل هو مخرج للكلمة الملحون فيها عن كونها قررنا، وملحق لها بالكلام، أم لا؟، مكر وكذلك قال الشيخان أبو محمد وأبو الحسن في إمامة من لا يميز بن الضاد والظاهر: إن صلاته لا تصح، ولا خفاء ببطلان صالة من لا يحسن أداء الصلاة، وصلاة من ائتم به.
وأما نقص الخلقة، فهو على أقسام:
الأول: لا تعلق له بالصلاة:
ولا يقرب من الأنوثة كالعمي، فلا يمنع من صحة الإمامة، ولا من كمال فضيلتها.
القسم الثاني: أن يكون مقربا من الأنوثة:
وإن لم يتعلق بالصلاة كالخصاء، فتكره إمامة الخصي في الفرائض غمامة راتبة، وأجازها ابن الماجشون.
قال الإمام: ولا يلزم، على القول بالكراهة، كراهية إمامة العنين، فإن العنة ليست بحالة ظاهرة تقرب من الأنوثة، بخلاف الخصاء.
القسم الثالث: أن يكون العضو له تعلق بالصلاة تعلق فريضة:
كالسقيم العاجز عن القيام، فلا يؤم القيام. وروى الوليد بن مسلم إجازة إمامته لهم، وأجزها أشهب في مدونته، وفي جواز إمامته للجلوس المرضى خلاف.
ولو لم يقدر إلا على الاضطجاع لم تصح إمامته للأصحاء بوجه، وكذلك إمامته لأمثاله لا تصح أيضا. وقيل: تصح.
ولو كان يصلي إيماء، فقال الإمام: ظاهر ما أشار إليه أصحابنا أنا لا نجيزها، وإن أجزنا إمامة الجالس، فإن صلاة المومئ لا ركوع فيها ولا سجود، ولا يجوز أن يأتم به من في صلاته ركوع وسجود، كما لا يأتم مصلي الفرض بمصلي الجنازة.
القسم الرابع: أن يتعلق بها تعلق فضيلة:
كقطع اليد أو شللها، فجمهور أصحابنا على جواز الائتمام به، لأنه عضو لا يمنع فقده من فرض من فروض الصلاة، فجازت الإمامة الراتبة مع فقده كالعين.
وقال ابن وهب: لا أرى أن يؤم الأقطع، والأشل إذا لم يقدر أن يضع يديه في الأرض؛ لأنه وإن بلغ نهاية طاقته في فعل لا يتحمله عن المأموم، فإنه منتقص عن درجة الكمال، فكرهت إمامته لأجل النقص.
وتكره إمامة الأعرابي للحضريين، واختلف الأصحاب في تعليل ذلك. فقال ابن حبيب: إنما نهى مالك عن إمامة الأعرابي للحضريين، وإن كان أقرأهم لجهله بسنة الصلاة.
وقال بعض المتأخرين: لمداومته على ترك بعض الفروض، كالجمعة وإكمال الصلاة، بكثرة أسفاره.
ويكره أن يتخذ ولد الزنى إماما راتبا. وكذلك المأبون والأقلف.
وقيل: يجوز اتخاذهم أئمة راتبين إذا كانوا صالحي الأحوال في أنفسهم، سالمين من النقائض التي تقدم ذكرها.
هذا حكم الإجزاء والكمال، فإما الأولوية، فمن انفراد بالعلم والورع فهو أولى؛ إذ بهما يحسن الأداء وتحصل الشفاعة، فإن تعدد من جمعهما، رجح بغيرهما من الفضائل الشرعية والخلقية والمكانية، كالشرف في النسب، والسن، وكمال الصورة، ويلحق به حسن اللباس وذكر الشيخ أبو إسحاق الترجيح بصباحة الوجه، وحسن الخلق.
وكملك رقبة المكان أو منفعته، وقد قال مالك رضي الله عنه: صاحب الدار أولى بالإمامة وإن كان عبدا، ولو كانت الدار لامرأة لم يبطل حقها، بل لها تستخلف من يؤمن، ويستحب لها أن تستخلف أحق القوم الإمامة.
ويرجح بالإمارة، فيتقدم الأمير على الرعية، إذا كان صالحا للإمامة، سليما من النقائص القادحة، فمن اجتمع فيه هذه الوجوه فلا خفاء بأنه أولى، فإن نقص بعضها وكان أكمل من غيره قدم.
ويقدم الفقيه على الصلاح وعلى القارئ، ويقدم الأفقه على الأقرأ، لأن ما تحتاج إليه الصلاة من القرآن محصور، وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور، فما كان لا ينحصر المقدار المحتاج إليه منه كان أولى بالمراعاة، فالمكثر منه أولى من المقل بالإمامة، فإن اجتمع من تساوت أحوالهم في جميع ما ذكر أو بعضه وتشاحوا، أقرع بينهم إذا كان مقصدهم حيازة فضل الإمامة لا طلب الرئاسة الدنيوية.

.الفصل الثالث: في شروط القدرة:

ويرجع ذلك إلى شروط أربعة:
الأول: نية الاقتداء، فإن تابع من غير نية بطلت صلاته، ولا يلزم الإمام أن ينوي الإمامة إلا في ثلاثة مواضع: الجمعة، وصلاة الخوف، وانتقال حالته إلى الاستخلاف بعد أن كان مأموما.
الثاني: ألا ينزل جنس صلاة الإمام عن جنس صلاة المأموم، كمتنفل يؤم مفترضا.
الثالث: اتحاد الفرض المؤتم فيه، فلا يصلي الظهر من يصلي الصبح أو غيره.
الرابع: المتابعة والمساوقة دون المساواة والمسابقة، وروى ابن حبيب أن للمأموم أن يفعل مع الإمام معا، إلا الإحرام والقيام من اثنتين والسلام فيفعله بعده. ثم على كلا المذهبين لا تبطل الصلاة بالمساواة، أو التقدم في شيء من الأفعال سوى الإحرام والسلام.
وروى سحنون عن ابن القاسم: وإن أحرم معه أجزاه، وبعده أصوب. قال سحنون في المجموعة: هذا قول عبد العزيز، وقول مالك أنه يعيد الصلاة.
وحيث صححنا، فيؤمر بالعود إلى ما فعله قبل الإمام، حتى يكون فاعلا له بعده، ما لم يلحقه الإمام، ثم إن لم يفعل، فصلاه صحيحة على المنصوص.
وليس ترتيب الموقف بشرط في صحة الصلاة، لكن الأولى أن يقف الواحد عن يمين الإمام، فإن قام أمامه أو خلفه، أو عن يساره، لم تبطل صلاته.
وكذلك لو صلى على أرفع مما عليه إمامه، أو أخفض من غير قد إلى التكبير، إذا كان الارتفاع يسيرا كالشبر وعظم الذراع ونحوه، فإن كان كثيرا، فللمتأخرين في بطلان صلاة المرتفع ثلاثة أقوال: البطلان، ونفيه، ومأخذهما النظر إلى ظاهر العموم، أو إلى فقد العلة وهي التكبر والتفرقة، فيعتبر قصد التكبر في المأموم وتبطل على الإمام مطلقا من غير اعتبار قصد؛ لأن ارتفاع الإمام فعل تقدم على جهة الكبر، فمنع في القاصد وغيره حسما لذريعة، ولو قصد المرتفع منهما التكبر لعصى وبطلت صلاه وصلاة من خلفه إن كان الإمام.
والأحسن أن يقف الاثنان خلف الإمام، وكذل ما زاد عليهما، فإن كانت معهما امرأة قامت وراءهما، وتقوم وراء الإمام وحدها، أو مع غيرها من جنسها، أو مع كون الواحد عن يمينه.
والمنفرد وراء الصف إن وجد فرجة تقدم إليها، فإن لم يجد، لم يجذب إليها أحدا من الصف، لكي لا يختل.
فروع مرسلة:
صلاة المسمع والصلاة به، حكى بعض المتأخرين في صحتها وبطلانها ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث، فتصح مع وجود إذن الإمام، وتبطل مع عدمه.
وفي الحواشي لعبد الحق: سألت الشيخ أبا عمران عن صلاة الناس بالمسمع يكبر لهم إذا كبر الإمام، ويسمعهم السلام إذا سلم؟ فقال: قد كان الشيخ أبو القاسم يفعله، قال عبد الحق: أراه يريد ابن شبلون فقال لي: وقد أجاب الشيخ أبو الحسن بن محرز باستخفاف ذلك، وأن ابن عبد الحكم أمر المؤذنين به.
والمسبوق ينبغي أن يكبر للعقد ثم للهوى، فإن اقتصر على واحدة وقصد بها العقد أجزأته، وإن قصد بها الهوي أن أطلق انتفى الإجزاء، وفيه رواية لابن وهب.
ولو أحدث الإمام من غير تعمد، لم تبطل صلاة المأموم، إلا أن يتمادى على الإمامة بعد الحدث.
والمنفرد ليس له نقل صلاته وتحويلها إلى الجماعة، وكذلك المؤتم لا يجوز له أن ينقل صلاته من الجماعة إلى الانفراد.
واختلف فيمن اضطر إلى ذلك، كمريض اقتدى بمثله ثم صح، فذهب سحنون إلى إنه يخرج من صلاة الإمام، ويتم لنفسه؛ كما يصير الإمام مأموما لوجود عذر.
وقال يحيى بن عمر: يتمادى لأنه دخل بما يجوز له.
وإذا شك المسبوق أن الإمام هل رفع رأسه من الأولى قبل ركوعه أم لا؟ لم يعتد بها.
قال ابن الماجشون: إذا شك في أن يكون أدرك الركعة معه، فليتماد منه، ويعيد الصلاة، وترك الركوع إذا خشي أن يعجله أو يشك في ذلك أولى.
قال ابن القاسم عن مالك: وحد إدراك الركعة أن يمكن يديه من ركبتيه، قبل رفع الإمام رأسه.
والمسبوق عند سلام الإمام، يقوم من غير تكبير، إذا كان جلوسه لمتابعة الإمام، وإن كان موضع جلوس له هو أيضا قام بتكبير.
وقال ابن الماجشون: يقوم بتكبير على كل حال، ثم إذا قام أكمل صلاته.
واختلف المتأخرون في مقتضى المذهب في كونه قاضيا أو بانيا على ثلاث طرق:
الأولى: طريقة الشيخ أبي محمد وجل المتأخرين، أن المذهب كله على قول واحد، وهو البناء في الأفعال، والقضاء في الأقوال.
الثانية: طريقة بعض القرويين، أن المذهب على قولين في القراء خاصة، وعلى قول واحد في الجلوس
الثالثة: طريقة أبي الحسن اللخمي، أن المذهب على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه بأن في الأقوال والأفعال، والثاني: أنه قاض فيهما، والثالث: أنه قاض في القراءة، بأن في الأفعال.
وأقرب ما فرق به بين الأفعال والأقوال في هذه الطريقة، أنه رأى أن ما أدرك هو أول صلاته حقيقة، فلذلك يبني على الجلوس، ولكنه يزيد فيما يأتي به سورة مع أم القرآن إذ لا يفسد الصلاة، ولا ينقص كمالها زيادة السور، بل ينقص الكمال نقصها، فيأتي بالسورة ليتلافى ما فاته من الكمال.

.الفصل الرابع: في استخلاف الإمام عند حاجته إلى ذلك:

والنظر في محل الاستخلاف وكيفيته، وصفة المستخلف وفعله:
أما محله، فهو حيث طرأ على الإمام ما يفعله من التمادي على الإمامة خاصة، أو يمنعه التمادي على الصلاة جملة.
فالأول: كتقصيره عن فرض من الفروض، مثل من عجز عن القيام مثلا، فإنه يستخلف ويرجع إلى الصف فيتم مؤتما بمستخلفه، وكذلك لو حصر عن القراءة فعلم أنه لا يقدر على القراءة في بقية الصلاة، فقال ابن سحنون: إن يستخلف ويصلي مأموما خلف النائب عنه، قال الإمام أبو عبد الله: ولو حصر عن قراءة بعض السور التي مع أم القرآن لم يكن له عنيد أن يستخلف، لأن صلاته تصح مع تركه فعل ما عجز عنه.
والثاني: كغلبة الحدث أو تذكاره، أو الرعاف الذي يقطع لأجله، وقد تقدم الخلاف في ذاكر صلاة منسية.
وأما كيفيته، فالأولى أن يستخلف بالإشارة، فإن تكلم لم تبطل الصلاة وصح الاستخلاف؛ لأنه بالطارئ قد خرج عن أن يكون إماما، والأولى أن يستخلف من يقرب موضعه منه، فإن استخلف من بعد أتم في مكانه، ولم ينتقل إلى مكان الإمام.
ولو طرأ سبب الاستخلاف في حالة الركوع أو في حالة السجود، فهل يستخلف في الحالة أو يرفع رأسه ثم يستخلف؟ حكى الشيخ أبو الطاهر في ذلك قولين.
وإذا قلنا: إنه يستخلف بعد الرفع فليرفع غير مكبر، لئلا يرفعوا برفعه، فيكونوا مقتدين به في حالة لا يصح الاقتداء به، فإن رفع فاقتدوا به، فقال الشيخ أبو الطاهر: يجري ذلك على الخلاف في الحركة إلى الأركان، هل هي مقصودة فتبطل الصلاة، أو غير مقصودة فلاغ تبطل؟ وقال بعض المتأخرين: لا تفسد صلاتهم، بل هم كالرافعين قبل إمامهم غلطا، فيرجعون إلى الركوع ليرفعوا برفع المستخلف، قال: ولو رفعوا برفعة فلم يستخلف عليهم أتموا صلاتهم.
وليس الاستخلاف بواجب على الإمام، لأنه إنما التزم أن يقتدى به ما دام الاقتداء به ممكنا، فإذا تعذر ذلك، فليس عليه أن يأتي بعوض منه، لكن لما كان المأمومون ممنوعين من الكلام، كان من حسن النظر هلم أن يقيم لهم من يتم بهم، فإن لم يقم لهم أمروا بأن يستخلفوا من يتم بهم، أو يتقدم أحدهم فيتم بهم وإن لم يقدموه، فإن لم يفعلوا وصولا وحدانا، فإن كانوا في الجمعة بطلت على المشهور، وسواء عقدوا مع الإمام ركعة أم لا، ولم تبطل على الشاذ، وإن كانوا عقدوا منها ركعة معه، وإن كانوا في غير الجمعة فالمنصوص صحة صلاتهم، وقد أساؤوا.
وكذلك لو استخلف قوم منهم أو واحد من الجماعة، وأتم الباقون وحدانا صحت صلاتهم على المنصوص.
وقال محمد بن عبد الحكم: كل من لزمه أن يتم صلاته في جماعة، فأتم فذا أو قضى ما وجب عليه فذا مؤتما، بطلت صلاته، وقد أخذ من ها القاضي أبو الوليد، وأبو الحسن اللخمي بطلان صلاتهم إذا لم يستخلفوا، وبطلان صلاة من أتم فذا منهم.
قال الشيخ أبو الطاهر: ويحتمل قول ابن عبد الحكم أنه يريد من خرج عن إمامة الإمام الأول أو المستخلف بعد أن اقتدى به، وأنه إنما أراد التنبيه على خلاف من قال إن للمأموم الخروج عن الاقتداء، قال: وإذا احتمل ذلك لم يلزم منه الاستقراء بلا بد.
ولو استخلف الإمام إنسانا فتقدم غيره فأم، واقتدى به مستخلف الإمام لصحت الصلاة على المنصوص في المذهب.
وأما صفة المستخلف، فليكن بعد صحة إمامته ابتداء ممن انسحب عليه حكم الإمام قبل طروء العذر، ويكون ما فعله عند مفارقة الإمام مما يعتد به جزءا من صلاته، فلا يقدم من أحرم بعد طروء العذر، ولا من فاته الركوع معه من الركعة التي طرأ العذر فيها؛ لأنه يصير كالمتنفل يؤم المفترضين، فإن استخلفه أمر المستخلف باستخلاف غيره، أو استخلفوا هم غيره، فإن لم يفعلوا وائتموا به فصلاتهم باطلة. وقيل: صلاتهم صحيحة؛ لأن فعل المستخلف لذلك وإن كان لا يعتد به واجب عليه لوجوب متابعة الإمام لو لم يحدث، وصار باستخلافه كأن الإمام لم يذهب.
وأما من أحرم بعد طروء العذر، فإن استخلفه على ركعة أو ثلاث، فصلاته باطلة؛ لأنه جلس في غير موضع جلوس وهو مصل لنفسه، وإن استخلفه على ركعتين، فصلاته تامة.
وقال ابن حبيب: إن قدمه في أول ركعة فصلاته تامة، وتبطل صلاتهم، وإن كان بعد ركعة أو أكثر فعمل على بناء صلاة الأول فلا صلاة له ولا لمن خلفه.
وأما فعل المستخلف، فإنه متمم لصلاة الإمام، فعليه أن يصليها من حيث انقطعت، فإن كان الإمام لم يقرأ افتتح القراءة، وإن قرأ أتم من حيث وصل إن كان صلاة جهر، فإن كانت صلاة سر، ففي السليمانية أنه يبتدئ قراءة أم القرآن من أولها. قال الإمام أبو عبد الله: وكأنه رأى أن تجويز كون الإمام لم يقرأ لنسيان أو غيره يقتضي ابتداء المستخلف القراءة من أولها.
فإذا ركع ولم يرفع تقدم راكعا، ثم رفع ويتمادى على صلاة الإمام.
فإن أتمها سلم بهم إن كان أدرك جملة صلاة الإمام، وسلم بسلامه من كملت صلاه من المتقدمين، وقام من كان مسبوقا للقضاء.
فإن كان لم يدرك جملة صلاة الإمام، بل كان مسبوقا أشار إليهم إذا أكمل صلاة الإمام، كالآمر لهم بالجلوس، ثم نهض للقضاء، فإذا فرغ منه سلم بهم؛ لأن السلام من بقية صلاة الأول، وقد حل محله في الإمامة فيه، فلا يصح الخروج عن ذلك لغير معنى يقتضيه، وانتظار القوم لفراغه من القضاء أخف من الخروج من إمامته. وقيل: يستخلف من يسلم بالقوم؛ لأن السلام بقية صلاة الأول كما تقدم، ولا ينبغي له أن يقضي قبل فراغ الصلاة، وخروج القوم عن الاقتداء به إلى الاقتداء بمن أقام مقامه أخف من انتظاره.
وسبب هذا الاختلاف: أن الضرورة دافعة للمصلي إلى الخروج عن الأصل على المذهبين جميعا، والنظر في أي الخروجين أخف.
ولو ساوت هذا المستخلف طائفة من القوم في فوات ما فاته، فقال سحنون: من أصحابنا من يقول: يقوم المستخلف وحده للقضاء، ثم يسلم، ثم يقضون بعده، ومنهم من يقول: إذا قام يقضي قام كل واحد يصلي لنفسه، ثم يسلمون بسلامه فإن ائتموا به أبطلوا على أنفسهم، وصلاة المستخلف تامة. وذكر ابن سحنون عن أبيه أنه قال: تجزئهم ثم رجع فقال: يعيدون أحب إلي، وفي كتاب ابن المواز: ومن اتبعه فيها منهم أو من غيرهم فصلاته باطلة.
فروع ثلاثة:
الأول: لو لم يدر ما صلى إمامه الذي استخلفه، والذين خلفه يعلمون ذلك أشار إليهم، فإن فهموا عنه وأجابوه بالإشارة عمل عليها فإن لم يفهم ومضى في صلاته فليسبحوا به حتى يفهم، فإن لم يجد بدا إلا أن يتكلم فلا بأس.
وقال سحنون في المجموعة: ينبغي أن يقدم غيره ممن يعلم ما صلى الإمام، فإن تمادى فإنه إذا صلى ركعة فليتزحزح للقيام، فإن سبحوا به جلس وتشهد، ثم يتزحزح للقيام، فإن لم سبحوا به قام وبنى على أنها ثالثة، وإن سبحوا به عرف أنها رابعة، فيشير إليهم بالجلوس، ثم يقضي على ما تقدم.
الفرع الثاني:
لو أزال الإمام عذره، ثم عاد فأخرج المستخلف وأتم الصلاة بهم، فهل تبطل الصلاة لأنه انعزل بالاستخلاف ثم صار مستخلفا من غير عذر، أو تصح لأن المستخلف وكيل الإمام، فإذا عاد انعزل الوكيل؟ قولان: الأول ليحيى بن عمر، والثاني في العتبية.
الفرع الثالث:
لو رجع الإمام فقال للمسبوق المستخلف، قد كنت أسقطت من الركعة الأولى أو الثانية ما يقتضي بطلانها كالركوع أو السجود مثلان فإما المستخلف فيتم صلاة الإمام؛ إذ لا علم عنده من صحتها، وأما المقتدون فمن تحقق كماله صلاته وصلاة إمامه لم يلزمه اتباعه فيما قال. ومن شك منهم في صحة صلاته وصحة صلاة إمامه، أو تيقن الآن صحة قوله لزمه التدارك، ومن تيقن سلامة صلاته دون صلاة إمامه، ففي لزوم التدارك له خلاف كما تقدم في السهو.
ثم من لزمه التدارك اتبع المستخلف في تكميل صلاة الإمام.
وهل يكون المستخلف فيما يأتي به من ذلك قاضيا، فيقرأ بأم القرآن وسورة، أو بانيا فيقرأ بأم القرآن خاصة؟ حكى الشيخ أبو الطاهر في ذلك قولين منصوصين، ويسجد قبل السلام لأنه أخل بالجلوس في موضعه.
وهل يسجد بعد كمال صلاة الإمام أو صلاة نفسه؟ في ذلك قولان مبنيان على تغليب حكم الإمام، أو النظر إلى حصول الإمامة له.

.الباب التاسع: في صلاة المسافرين:

.والنظر في القصر والجمع.

.النظر الأول: في القصر.

وأداء الصلاة المقصورة على صفة أداء التامة، إلا في الإتمام، وقد اختلفت أقوال أهل المذهب ورواياتهم في حكم القصر.
فروى أشهب شانه فرض، وبه قال القاضي أبو إسحاق وابن سحنون، ومال إليه ابن المواز، ولم يقدم عليه لما رأى أن مالكا وأصحابه لم يختلفوا أن من أتم صلاته في السفر إنما يعيد في الوقت. قال القاضي أبو محمد: جماعة من أصحابنا البغداديين يرون القصر فرضا، وروى أبو مصعب وابن وهب: أنه سنة، وقال القاضي أبو الحسن: قال إسماعيل وغيره: فرضه ركعتان، وقال باقي أصحاب مالك: وهو مخير بين الإتمام والقصر، والاستحباب القصر، وإليه ذهب الأبهري، قال: وهو اختياري. قال القاضي أبو محمد أيضا: ذهب أكثر أصحابنا إلى أن فرضه التخيير، إلا أن القصر أفضل، وهو سنته. وحكى أبو جعفر الأبهري: أن الشيخ أبا بكر يقول: وهو مخير بين القصر والإتمام.
وقال أبو محمد عبد الحميد: بعض المذاكرين يقول: إن مذهب الكتاب حيثما وقع أن قصر المسافر رخصة.
هذا حكمه، فأما مشروعيته فعند وجود السبب والمحل والشرط.
الأول: السبب، وهو كل سفر طويل ليس بمعصية، وفي المكروه تردد.
والمراد بالسفر، ربط القصد بمقصد معلوم، فالهائم لا يترخص. ثم إنما يترخص المسافر بعد مجاوزة السور في المصر الذي لا بناء خارجه ولا بساتين. وروى مطرف وابن الماجشون: أنه لا يقصر حتى يكون بينه وبين المصر ثلاثة أميال، فإن كان حول المصر بناءات معمورة أو بساتين وكانت متصلة به في حكمنه فإذا جاوزها. وإن كان خروجه من قرية لا تقام فيها الجمعة، ولا بناءات متصلة بها ولا بساتين، قصر إذا فارق بيوت القرية، وإن اتصل بها شيء من ذلك فحتى يفارقه.
وإن كان خروجه من بيوت العمود قصر بمفارقته الحلل، ثم حيث قلنا: يقصر منه، فإنه يقصر إليه، وفي المجموعة: يقصر حتى يدخل منزله.
فإن رجع المسافر لأخذ شيء نسيه، لم يقصر في رجوعه إلى وطنه.
وقال ابن الماجشون: يقصر حتى يصل وطنه، وفي الموازية مثله.
ولا يقصر بعد وصوله وطنه الذي فيه أهله، فإن كان رجوعه إلى غير وطنه وكان يقصر فيه قبل خروجه، قصر الآن أيضا، وإن كان يتم بالمكان قبل خروجه، فقيل: يتم في رجوعه، وقيل: يقصر.
ثم نهاية سفره منتهى قصده، إلا أن ينوي إقامة في أضعاف سفره، فيكون مكان الإقامة هو المعتبر. وقيل: يلفق المسافة بما قبل الإقامة وما بعدها.
وهذا الخلاف أيضا جار في تلفيق الإقامة، وعليه تخرج مسألة الكتاب فيمن دخل مكة فأقام بها بضع عشرة ليلة فأوطنها، ثم بدا له أن يخرج إلى الجحفة فيعتمر منها، ثم يقدم مكة فيقيم بها اليوم واليومين، ثم يخرج منها، هل يقصر الصلاة في اليومين أو يتم؟ فأجاب أولا بالإتمام تعويلا على التلفيق، وكأنه ضم اليومين إلى ما قبلهما من المسافة، ثم أجاب بالقصر بناء على ترك التلفيق، وكأنه أضاف اليومين إلى ما بعدهما من السفر وهو يقصر فيه، قال ابن القاسم: وهو أعجب إلي من الأول.
وتخرج على تلفيق الإقامة مسألة: من سافر في البحر من موضع، ثم درته الريح إليه، فهل يقصر فيه أم يتم؟ ولا شك أنه يتم إن كان الموضع وطنه، وإن كان غير وطنه ولم ينو فيه دوام الإقامة، فهل يقصر؟ قولان، ولا يحتسب المسافر بالعود إلى وطنه، ولو لم تتخلله إقامة أصلا.
والإقامة المعتبرة أربعة أيام، وقال ابن سحنون: مقدار عشرين صلاة، وقال محمد بن حارث: وكذلك ذكر محمد بن المواز في كتابه.
وإذا فرعنا على المشهور، فلا يعتد فيها بيوم الدخول إلا أن يدخل من أوله، وقال ابن نافع: يعتد به ويتم الإقامة مثل ذلك الوقت من النهار الخامس، وإن كان له في البلد الذي وصله غرض يعلم أنه لا يتنجز في المدة المذكورة فهو مقيم، وإن كان يجوز تنجيزه فيما دون ذلك، فهو يقصر ما دام في انتظاره من غير حد محدود.
أما الطويل فحده أربعة برد وهي مسافة يومين، وذلك سنة عشر فرسخا، وهي ثمانية وأربعين ميلا.
وقال أشهب: يقصر في خمسة وأربعين ميلا، وفي رواية أبي قرة في اثنين وأربعين.
وقال ابن الماجشون: إن قصر في أربعين ميلا أجزأ عنه. وفي رواية أبي زيد عن ابن القاسم: إن قصر في ستة وثلاثين ميلا أجزأ عنه، قال ابن عبد الحكم في الموازية: يعيد في الوقت، وقال يحيى بن عمر: لا أعرف هذا لأصحابنا، ويعيد أبدا.
ثم هذا القدر هو المعتبر في البر والبحر.
وروي في المبسوط التحديد في سفر البحر باليوم التام، لأن الأميال لا تعرف فيه.
وحكى أبو محمد عبد الحق عن بعض شيوخه: أن التحديد في البحر بيوم ليس بخلاف لما تقدم من تحديده في البر بيومين، لأنه يقطع في البحر مسافة اليومين في اليوم الواحد.
ورأي الشيخ أبو الطاهر أيضا: أن هذا ليس بخلاف، قال: بل ينظر، فإن أمكن تمييز الأميال، كالمرور مع السواحل فهو كالبر، وإن كان بحيث لا يمكن التمييز كالسير في وسط البحر، فكما روى في المبسوط.
فرع:
اجتمع السفر من السير في البر والبحر لفقهما إن كانت بداءته بسفر البحر، وكذلك إن كان بسفر البر، لكن إذا وصل إلى البحر سار على كل حال بالريح وبغيره، فيقدر منها المقدار الذي قدمناه.
فإن كان إذا وصل إلى البحر لا يسير إلا بالريح، فقال ابن المواز: لا يقصر حتى يكون في سفر مقدار سفر البر القصر.
ويشترط عزمه في أول السفر، فإن خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لم يترخص، وإن تمادى سفره إلا أن يعلم أنه لا يلقه قبل مرحلتين.
ولو ترك الطريق القصير وعدل إلى الطريق الطويل لغير غرض لم يترخص.
ومهما بدا له الرجوع في أثناء سفره انقطع سفره، فليتم إلى أن ينفصل عن مكانه متوجها إلى مرحلتين.
أما قولنا: ليس بمعصية، فالعاصي بسفره لا يترخص، كالآبق والعاق بالسفر.
وروى زياد بن عبد الرحمن جواز ترخص العاصي بسفره، كالعاصي في سفره.
وإذا فرعنا على المشهور، فلو طرأت المعصية بالسفر في أثنائه لم يترخص أيضا، ولو طرأت له التوبة في أثناء سفر المعصية ترخص، وفي جواز تناول الميتة له قبل التوبة خلاف.
الثاني: محل القصر، وهو كل صلاة رباعية مؤداة في السفر، أو مقضية لفواتها فيه، فلا قصر في الصبح والمغرب، ولا في فوائت الحضر. ويقصر في فوائت السفر قضيت فيه أو في الحضر.
والمسافر في آخر الوقت يقصر إذا بقي منه مقدار ركعة فأكثر، كالطهارة إذا حاضت في آخر الوقت، وقد بقي منه ما يسع الصلاة أو ركعة منها، فإنها تسقط عنها كما تقدم.
الثالث: الشرط، وهو اثنان.
الأول: أن لا يقتدي بمقيم، فإن اقتدى به وصححنا صلاته لزمه الإتمام على المشهور.
ولنبين حكم اقتداء أحدهما بالآخر.
فأما اقتداء المسافر بالمقيم، فإن قلنا بأن القصر فرضه، فلا يجوز أن يقتدي بمقيم.
وقيل: يقتدي به، وإن قلنا: بأن القصر سنة، فروى ابن القاسم وابن الماجشون أنه لا يقتدي به. وروى الشيخ أبو إسحاق: لا بأس بصلاة السفري خلف المقيم لفضله وسنه وفهمه.
ومأخذ الخلاف: النظر إلى الترجيح بين فضيلتي لجمع والقصر، فإن قلنا بأن القصر أولى مع التخيير بينه وبين الإتمام، أو قلنا بالتخيير كما روي عن الشيخ أبي بكر، فلا شك أن الائتمام بالمقيم أولى من القصر مع الانفراد.
ثم حكم الصلاة بعد الاقتداء منزل على الخلاف المتقدم، فإن بنينا على أن القصر فرضه، فقال القاضي أبو محمد وبعض المتأخرين: تبطل الصلاة، وقال بعضهم: لا يمتنع أن يكون القصر فرضه، فإذا ائتم بمقيم انتقل فرضه لفرض المقيم كالعبد والمرأة في الجمعة.
وقال غيرهم: يقتدي به في الركعتين خاصة، ثم اختلفوا هل يسلم ويتركه، أو ينتظره فيسلم معه؟
وإن قلنا بأن القصر سنة، أتم وأعاد عند ابن الماجشون في الوقت، ولم يعد عند ابن القاسم، وكذلك روى مطرف أن لا إعادة عليه.
وروى ابن الماجشون وأشهب: أنه يعيد في الوقت، إلا أن يكون في أحد مسجدي الحرمين أو في مساجد الأمصار الكبار.
هذا حكم صلاته، إذا اقتدى بمن تيقن إقامته، فلو اقتدى بمن لا يعلم حاله، فقال سحنون: تجزيه.
ولو اقتدى بمن اعتقد فيه حالة، فلظهر له خلافها، فقال أشهب: تجزيه، وقال سحنون: لا تجزيه.
وسبب الخلاف: مراعاة عدد الركعات في أصل النية.
وأما ائتمام المقيم بالمسافر، فقد قال ابن حبيب: هي أخف من صلاة المسافر بإمامة المقيم في الكراهية، وقال أيضا: اتفقت الرواية عن مالك، أنه إذا اجتمع مسافرون ومقيمون، أنه يؤم المسافرين، والمقيمين مقيم، ولا يؤم مسافر مقيمين، ولا مقيم مسافرين إلا أن يكون ذلك في المساجد الجامعة التي تصلي فيها الأئمة، يعني الأمراء.
ولو أم المسافر بالفريقين، ثم ذكر أنه على غير طهارة، أو أحدث مغلوبا، فإنه يؤمر بأن يستخلف مسافرا، فإن لم يفعل، وقدم مقيما، لم يقبل استخلافه، وتقدم مسافر، فإن جهل وقبل الاستخلاف، وأتم صلاة الإمام، فإن المسافرين يسلمون لأنفسهم، وقيل: يستخلفون مسافرا يسلم بهم، وقيل: يثبتون حتى يسلموا بسلامه.
واختلف في المقيمين هل يتمونها أفذاذا بعد فراغ صلاة إمامهم، أو بعد سلام المستخلف؟
الشرط الثاني: أن يستمر على نية القصر جزما في جميع الصلاة.
وإذا قلنا: أن القصر ليس بفرض، فهل من شرطه أن ينويه عند عقد الإحرام؟ حكى الإمام أبو عبد الله عن بعض أشياخه أنه قال: يصح أن يلتزم القصر أو الإتمام قبل الشروع في الصلاة، ويصح أن يدخل في الصلاة على أنه بالخيار بين القصر والإتمام، قال: وكأنه رأى أن عدد الركعات لا يلزم المصلي أن يعقده في نيته حين الإحرام، وقد تقدم ذكر الخلاف في هذا الأصل، وإن مما يخرج عليه من الفروع ما لو ابتدأ على القصر فأتم، أو بالعكس، وكذلك مسألة الداخل يوم الجمعة يظنه الخميس أو العكس. ومذهب الكتاب في هذه إجزاء من ظن الجمعة دون من ظن الخميس، وقال في السليمانية: تجزيه الصلاة، والإعادة أحوط.
وقال أشهب: لا تجزيه في شيء منها، إلا أن يصلي معه وهو لا يدري يومه ذلك فإنه تجزيه.
ولو عرض له قصد الإقامة في أثنائها وصمم عليه ولو لحظة، فإن كان قبل أن يركع، فيستحب له أن يجعلها نافلة، ويستأنف فرضه أربعا، فإن تمادى على صلاته وأتمها أربعا، أجزأته في رواية ابن حبيب عن مالك.
وإن كان بعد أن عقد الركعة، فروى ابن حبيب عن مالك، أنه يستحب له أن يشفعها بركعة، ويجعلها نافلة، ثم يصلي فرضه أربعا. وروي عن ابن الماجشون أنه يضيف إليها ركعة أخرى تكون فرضه، لأنه لما عقد ركعة من صلاته على السفر لزمه حكم السفر. قال القاضي أبو الوليد: وظاهر قول عيسى بن دينار يقتضي أنها لا تجزيه إن تمادى عليها.
ولو أحرم على أربع، وفعلها ساهيا عن السفر أو القصر، فقال ابن المواز: يعيد في الوقت، وقد كان ابن القاسم يجيز في هذا سجدتي السهو حتى تبين أو استبصر، فرجع عن ذلك، وقال: يعيد في الوقت كان عامدا أو جاهلا أو ناسيا. وروى ابن حبيب: أنه يسجد للسهو، ثم قال: يجزي الساهي سجود السهو، إلا على قول ابن الماجشون الذي يقول: إذا كثير السهو أعاد، وقال سحنون: إن كان ناسيا لسفره، فإنما عليه الإعادة في الوقت، وهو كالعامد والجاهل.
وإن كن ذاكرا لسفره فصلى أربعا وهو يظن أنها ركعتان، أعاد أبدا لكثرة السهو. وذكر ابن نافع اختلاف قول مالك في المسافر إذا أتم ساهيا، هل يعيد في الوقت، أو يسجد لسهوه؟
وقال ابن المواز: إذا عقد إحرامه على أربع، فليعد في الوقت ساهيا كان أو عامدا، وإن عقد على ركعتين، فأكمل أربعا، فإنه يسجد في السهو، ويعيد أبدا في العمد. قال ابن سحنون: يعيد أبدا لكثرة السهو، وقال ابن المواز: ليس كسهو مجتمع عيه.